عجلة الثقافة
وزيرة الثقافة
الدكتورة لبانة مشوِّح
دأبنا في أواخر كل عام على الاحتفال بأيام الثقافة السورية، وبأيام الفن التشكيلي، وانتهزناها مناسبة لتكريم ثلة مختارة من مثقفينا، وتنظيم أنشطة وفعاليات مميزة تعم كل المحافظات السورية، فنقيم في المناسبتين الحفلات الموسيقية، والعروض المسرحية، والمهرجانات التراثية، ومعارض وملتقيات الفن التشكيلي السوري، وعروض الأفلام التي تنتجها المؤسسة العامة للسينما، ومعارض الكتاب التي تقيمها الهيئة العامة السورية للكتاب. وهي أيضاً مناسبة ننتهزها لنفسح المجال أمام طلاب معاهدنا العليا المسرحية والموسيقية والسينمائية بمختلف اختصاصاتهم، ومعاهدنا التقانية الفنية، ومعاهدنا الموسيقية ومراكز الفن التشكيلي، ليُبرِزوا مواهبهم ويخوضوا تجربة مواجهة الجمهور بكل ما فيها من تعزيز لثقتهم بأنفسهم وتطوير لمهاراتهم وفخر بإنجازاتهم وبالمؤسسة وبالوطن الذي يحتضنهم.
لم ثننا الحرب التي استهدفت قيمنا ووجودنا، ولم ترهبنا القذائف التي أمطرونا بها، ولم يوهن الحصار الجائر من عزيمتنا. لكن ما أصاب إخواننا في غزة أدمى قلوبنا، فاقت جرائم العدو الصهيوني ووحشيته كل تصوّر وتجاوزت كلّ حدّ. أمام المشاهد المروّعة التي هزّت كل ضمير حي، أوقفنا كلّ المظاهر الاحتفالية احتراماً لأرواح كل الشهداء، وتقديساً لكل قطرة دم سُفِكت ودمعةٍ ذُرِفت من عين طفل أو امرأة أو شيخ.
اليوم الألم ما يزال يعتصر القلوب، لكنه لن يوقف عجلة الحياة. لن نسمح له بأن يكبّلنا ويطفئ فينا قبس الأمل التي نهتدي بنوره. وإذا كان قدرنا أن نواجه أبشع آلة إجرام وقتل عرفتها البشرية، فإن قدرنا أيضاً أن نحمل شعلة الحضارة وأن نبقي عليها متّقدة، تحرّض على العمل والتأثير والإبداع.
بالثقافة نقاوم. إنها انتصار للحق على الباطل، وللأمل على اليأس. هي قبس النور وجذوة الحياة. إنها أنبل ما فينا، وما يبقى منا بعد الرحيل. أثرٌ تتناقله الأجيال، تغتني به وتبني عليه.
ليست الثقافة أن نطرب لكلام المجد في الكتب، بل أن نغرق في أديم صفحاته. هي اطلاع فاستمتاع فتأمّل فإدراك ففعل. وأعظم ما فيها أنها تُخرج ما فينا بكل صخب ألوانه وصفائها، وتعيد تشكيلنا بما يليق بنا كبشر.
الثقافة ليست مهنة ولا هي بحرفة، إنها شغف يتملكنا فتسمو به الروح ويرقى به السلوك.
تلك هي الثقافة التي نحتفي بها كلّ عام، نغترف من معينها فتروي الظمأ وتجعل نُسْغ الحياة دافقاً فينا. نغذي مجراها الدافق منذ نحو عشرة آلاف عام بروافد تغنيه وتجدّده. ثقافتنا ليست إرثاً جامداً ولا قدراً محتوماً، بل إرث ينبض حياة وتجدداً، يكشف لنا كنه أنفسنا وحقيقة الأشياءِ من حولنا، يُغنينا ونغنيه… نستزيد منه ونزيد عليه. الثقافة التي نحتفي بها ثقافة أصالة وتفاعل وتجدد مستمر، تحِوّلنا من حال إلى حال. من منفعلين إلى فاعلين. هي ثقافة لا تنتج إلا الجمال، ولا تتشر إلا الخير. في إحدى قصائده التي نظمها تحية للفن التشكيلي، يقول الشاعر الفرنسي العظيم بودلير إن هذه الثقافة الفنية منارات يهتدي البشر بنورها.ويؤكِّد في ديوانه «أزهار الشر»: «يُرتكب الشرُّ بلا كبير عناء. إنه أشبه بالقدر المحتوم. أمّا الفنون فلا تنتج إلا الخير».
اضغط على الرابط أدناه لقراءة العدد كاملاً:
(العدد المزدوج 722 – 723، تشرين الثاني – كانون الأول 2023). pdf