العددان 718 – 719، تموز، وآب 2023

وقفات في مئوية نزار قباني

 

 وزيرة الثقافة

الدكتورة لبانة مشوِّح

هذا عددٌ خاصٌ من مجلة المعرفة خُصِّص للاحتفاء بالذكرى المئويَّة لولادةِ شاعرٍ معاصر مجدِّد لغةً وأسلوباً، كسَر قيودَ النمطية، وعاد بالشِّعر إلى منابِعه، إلى رهافةِ  الأحاسيس وعمقِ المشاعر. نزار قباني.. الشاعر الذي حمَل الشامَ في أهداب العيون ورَصَعَها شامة على جبين المجد ظلَّ عطرُ فُلِّها ربيبَ ذاكرته، وأضاء بياضُه ما أظلم من أيَّامه. سكنت العروبةُ في حنايا روحه وحملها في عمق وجدانه، فحَقَّ له أن يُحتفَى به في شام الحضارةِ والأصالةِ والعروبة.

حار النقادُ في أمر تميُّزِ نزار قباني وإلى ما تُعزَى الشهرةُ الواسعةُ  التي نالها والتي طبَّقت الآفاق. قلَّبوا أسبابَ افتتانِ الناس بشعرِه على وجوهها، وما يزالون على حالِهم هذا، كلَّما قَـرَّ لهم رأي على مزيّة، تبدَّت لهم فيه مزايا.

لم يكن أسلوبُه الأكثر بلاغة، ولا كان شعرُه الأفصحَ قولاً، ولا الأجزلَ عبارة، ولا الأعمقَ فكراً. لكنه كان شعراً شفيفاً رهيفاً، حرّك المشاعر برقَّته وأجَّجها بنزقِه، أسرَ القلوبَ ببساطته وأطربَ بموسيقاه. كسَرَ نزار قيودَ البلاغة المعهودة، فكَّ ضفائرَ القصيدة العربية، صبغَها بلغة عصرِه، وأسدلَ كلماتها سلسةً رشيقةً حيناً، غاضبةً ثائرةً أحياناً، فعبَّر ببساطة عن مواقف عشناها، ومشاعر لحظيةٍ ألفناها، فكانت لنا مرآةً تنطق بما فينا.

على يد نزار قباني رقصَت الفساتينُ فرحاً ونشوةً بلقاء الحبيب. ظهر الرجلُ على حقيقته وتناقضاتِه، طفلاً عابثاً يملأه الغرورُ، وعاشقاً وَلِهاً نَزِقاً، وتائهاً منكسِراً. اختزل الوجودَ في أنثى، فاستوتْ بلا منازع على عرشِ الجمالِ والحنانِ والكبرياء. ركَع في مِحراب عِشقها، غَزَلها من قُطن وغَمام، وصنَعها من فاكهةِ الشِّعر ومن ذَهَب الأحلام. فَتَنَه غموضُها وتاه في تناقضاتِها. غاصَ في قاعِ محيطاتِها حتى الثُّمالة. خَبِرها كما خبِر الحياة… فغدتْ هي المأوى والمسكنُ والأوطانُ. غدتْ زهرةَ الدنيا… بل كانتْ هي الدنيا.

إلى الذي أنزل الشعرَ مِن عليائه وحوَّله إلى وليفٍ أنيسٍ. إلى مَن نظم الكلامَ لحناً عذباً، وفجَّره إعصاراً هادراً. إلى مَن انسابت كلماتُه ماءً رقراقاً وهديلَ حمام؛ إلى مَن غيَّر إيقاعاتِ الشعرِ برعشةِ يدٍ، وواجَه عجزه وازدواجيته وكلَّ تناقضاتِه، فسَكَن القلوبَ دونما كبير عَناء… إلى نزار قباني في مِئويته تُنثرُ الورود.

 

اضغط على الرابط أدناه لقراءة العدد كاملاً:

(العددان 718 – 719، تموز، وآب 2023) pdf.