تدمر يا سليلة المجد
وزيرة الثقافة
الدكتورة لبانة مشوِّح
حظيت مؤخراً بشرف تمثيل سورية على رأس وفد من الخبراء والأكاديميين في المنتدى الدولي المنعقد في مدينة قازان عاصمة جمهورية تتارستان بمناسبة الذكرى الخمسين لاتفاقية حماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي لليونسكو. وقد أفرد المنتدى أحد أهم محاوره لمدينة تدمر الأثرية. ولا غرابة في ذلك؛ فما حظيت به هذه المدينة العظيمة من عناية الباحثين، ودراسة المؤرخين والآثاريين يكاد يفوق ما نالته أي مدينة أثرية أخرى في العالم.
من قلب بادية الشام، بزغت منذ مئتي ألف عام قبل الميلاد نواة متفرّدة لقيام أول تجمّع بشري، حين حطّ الإنسان التدمري رحاله حول نبع ماء كبريتي هو نبع أفقا، وبدأ يقتات على الصيد والتقاط الثمار، ثم ما لبث أن طوّر أدواته ووسائله واستقر ليعمّر الصحراء، ويُقيم فيها حضارة ذاع صيتها في أرجاء الكون، وباتت الألسن تلهج بذكرها بكل اللغات: «تدمر» إعجاز الإنسان السوري، سليلة المجد ومثار الفخار.
لعبت تدمر طوال القرون الميلادية الثلاثة الأولى دوراً محورياً في التجارة الدولية على طريقي الحرير والبخور. ازدهرت وبنت الأوابد الضخمة، وغدت محط أنظار وأطماع الجميع.
هذا التاريخ المشرّف الذي يشكِّل أحد أهم مكوِّنات هويتنا الثقافية الوطنية هو ما أراد أعداء الحضارة تدميره.
في حديقة متحف تدمر كان أسد اللات يجثم بعظمة وشموخ، اكتُشِف التمثال البهي الذي يعود إلى القرن الأول عام (1977)، ثم نُقِل من معبد اللات إلى المتحف ليُحفظ فيه ويكون قبلة للناظرين. وهو تمثال لأسدٍ ضخم مهيب يستند على قائمتيه الأماميتين شامخ الرأس فاغر الفم،حتى يكاد للناظر أن يسمع زئيره الذي يشق عنان السماء.نُقِشت على قائمته اليسرى بالكتابة التدمرية العبارة الآتية:
«إن الربّة اللات تبارك كلَّ من لا يسفك الدم في المعبد».
أسد اللات يرمز لشموخ سورية بالرغم من ألم الجراح، ورفضه لسفك الدم يرمز لسورية أرض المحبة والتآخي والسلام. وهذا تحديداً ما استهدفه الإرهابيون، إذ زرعوا في زوايا أسد اللات أصابع الديناميت وفجّروه، فأحالوه قطعاً متناثرة.
ولأنه رمز نعتز به، أعادت أيادٍ وطنية خبيرة ترميم التمثال ونقلته إلى حديقة متحف دمشق الوطني. وهكذا هي حال قوس النصر في تدمر. هو رمز لسورية في شتى أنحاء العالم، وإعادة بنائه وحسن ترميمه هدف نسعى إليه ولا بد سيتحقق إن عاجلاً أو آجلاً، بأيد وخبرات وطنية، وبتعاون الأصدقاء ودعمهم، وبإشراف خبراء مرجعيين معتمدين عالمياً. هو إرث استثنائي لا بد من أنْ يُعاد له ألقه.
اضغط على الرابط أدناه لقراءة العدد كاملاً: