العدد المزدوج 724-725، كانون الثاني- شباط 2024م

 

الدبلوماسية الثقافية ما لها وما عليها

                                                                                                                                                                                             وزيرة الثقافة

               الدكتورة لبانة مشوِّح

 

نلحظ في الآونة الأخيرة اهتماماً ملحوظاً بنوع من الممارسة الدبلوماسية يخرج عمّا ألفتْه المدرسةُ التقليدية، وأنَّ مصطلح «الدبلوماسية الثقافية» غدا على كلِّ شفة ولسان.فمن أيِّ منظور تُرَى الدبلوماسيةُ الثقافية؟
ظهر المصطلحُ في كتاب بعنوان «القوةُ الناعمة» للجيوسياسي الأمريكي جوزيف صامويل ناي الذي شغَل منصب معاون وزير الدفاع لشؤون الأمن القومي، وهو اليوم أستاذ محاضر في جامعة هارفرد. رأى ناي ضرورة أن يكون للدولة، إلى جانب القوة القاسية، قوةٌ ناعمةٌ تنحو منحى ثقافياً ويكون لها تأثير بنفس نجاعة وأهمية القوة القاسية، تعطي زخماً لسياسات الدولة وقوةَ نفاذ، وقدرةً أكبر على التأثير والإقناع.
تفضح النتائجُ التي تمخَّضتْ عنها هذه الرؤية مقدّماتِها؛ إذ أثبتت الممارساتُ لاحقاً وما أفرزته العولمةُ الثقافيةُ من غزو فكريٍّ قلَب القيم والمفاهيم، وخرَق الخصوصيةَ الثقافية للجماعات والشعوب، وصولاً أحياناً حدَّ الاستلاب الفكري الذي يؤدي ببعضهم إلى إنكار هويته الثقافية، أثبتتْ أنَّ النوايا البعيدة للدبلوماسية الثقافية كما أرادها المنظِّرُ الأمريكي لم تكن بالبراءة التي أوحَى بها.
من البديهي والمشروع أن تركِّز الدبلوماسية الثقافية عموماً على الثقافة كهويةٍ للشعوب، وأن تُسخِّر البعدَ الثقافي لخدمةِ مصلحةِ الدولة. لكنْ أن تتحوَّل إلى قوةٍ ناعمةٍ؛ للغزو والتضليل والاستلاب الفكري؛ فهذا ما يُخرج الثقافة أصلاً عن جوهرها وأغراضها.
الدبلوماسيَّة الثقافيَّة من منظورنا عملية تواصلٍ ثنائي الاتجاه، تؤسَّس على الاحترام المتبادل، فتساهم بالتعريف بالهوية الثقافية للبلد، بما في ذلك تاريخُه وقيمُه وسماتُه الحضارية والفكرية وما يَختزل رؤاه المستقبلية. لكنَّها تفقد شرعيتَها ونبلَ مقصدها ما لم تَقُمْ على فهم مكونات ثقافة الآخر واحترامها، بما في ذلك لغتُه وقيمُه وعاداتُه وتاريخُه ورموزُه الفكرية… إلخ، إذ إنَّ الإحاطة العميقة بمكونات الآخر الثقافية والحضارية تتيحُ تذليل الكثير من الحواجز، وتجعل من لغة التواصل وأدواته أبلغَ وأعمقَ أثراً.
«الدبلوماسيةُ الثقافية»؛ كما نراها؛ هي ببساطة اليدُ الناعمةُ التي تعزف ألحاناً عذبة، والصوتُ الرخيمُ الذي تسكن إليه النفوس، والبعدُ الحضاري الذي يوصل رسائلَ تعجز كل الكلمات عن التعبير عنها. هي «قوة إقناع» أمضَى وأعمقُ أثراً من القوة التقليدية، لا سيما في عصر وسائل الاتصال والعولمة. هي القدرةُ على التأثير، وعلى توجيه الرأي، وتصحيح المفاهيم المغلوطة والأفكار المسبقة، وربما توجيه الرأي العام والعلاقات الدولية بما يخدم الهدفَ المرجوَّ. إنها؛ بكلِّ مكوناتها؛ ألطفُ السبل وأنجعُها في تواصل الشعوب وتعارفها وتقاربها، فهي أداةُ حوار بين الدول يغلب فيها مبدأ التعارف واحترام ثقافة الآخر على تحالفات القوة، وصولاً إلى مستقبل أكثر عدلاً وأمناً وسلاماً.
نستذكر مجدَّداً مقولةَ بودليرإنَّ «الشرَّ يُرتكب بلا كبير عناء»، لكن أن يصبح قدراً محتوماً فهذا ما لا يجب أن نقبل به. فلتكن الثقافةُ سلاحاً يقارع الشرورَ، ولتنتِجْ الفنونُ الخيرَ، ولتتحولْ الدبلوماسيةُ الثقافية إلى نافذةِ تعارفٍ، وتحررٍ من الأفكار المسبقة، واحترام متبادل وسلام.

 

لقراءة العدد كاملاً، يمكنكم الضغط على الرابط أدناه:
مجلة المعرفة (العدد المزدوج 724-725، كانون الثاني- شباط 2024م) pdf.

 

للحصول على المجلة ورقياً، يمكن مراجعة نقاط البيع في المراكز الثقافية، أو التواصل مع مديرية المعارض والتسويق في الهيئة، عبر الرقم التالي: 011/3328982.