العددان 716 – 717، أيار، وحزيران 2023

مجتمعُ القِيَم… مجتمعُ الرَّخاء

 وزيرة الثَّقافة

الدكتورة لبانة مشوِّح

من أهمِّ التحديات التي تواجه مجتمعاتنا العربية اليوم مسألةُ القيم المجتمعية وإشكاليةُ تعزيزها، ولا نستثني من ذلك أحداً. في لغتنا العربيَّة المعاصرة، يُستعمل مصطلح «القيمة» للدلالة على الفضائل الدينية والخُلُقية والاجتماعية التي تقوم عليها حياةُ المجتمع الإنساني. أمَّا «القيمُ المجتمعية» فهي الخصائص التي يقتضي العقدُ الاجتماعي احترامَها والتقيُّدَ بها. هي إذن أحد عناصرالثقافة المشتركة بين أبناء المجتمع الواحد صَغُرَ هذا المجتمع أم كَبِرَ، مما يضمن تماسكه ويحقِّق أمنه واستقراره واستمرار تقدمه، متوخِّياً من وراء ذلك السعادةَ والرخاء. من ذلك قيمُ الحقِّ والعدالة والقوة، التي تنعكس ثقةً بالنفس واعتزازاً بالهوية، واحتراماً لحقوق الآخر، واحتراماً للقانون وتقيُّداً بالنظام العام. كما تتجلَّى تحلِّياً بجُملة من الأخلاق الحميدة كالصدق والأمانة والالتزام، ورُوح المسؤولية.

ومن السمات الأساسيَّة التي طبعت بها مجتمعاتنا العربية عموماً الاعتزازُ بالأصالة والجذور، والحرصُ على الترابط الأسري، والانتماءُ الوطني والإيثارُ، والتآزرُ والتضامنُ وإغاثةُ الملهوف، إلى جانب قيمٍ أخلاقية رسَّختها تعاليمُ دينيةٌ عميقةُ الجذور تحضُّ على مكارم الأخلاق.

منظومةُ الأخلاق الاجتماعية هذه، متوارثةً كانت أم مستنبتةً بالتربية والثقافة والتجربة،ليست بمنأى عن التبدُّلات والتغيرات التي تُوْهِنها، أو تُخضعها لتشوُّهات خطيرة تؤثر سلباً على بنية الفكر وتماسك المجتمع؛ وقد تؤدي إلى كوارثَ تتعدى آثارُها المدمِّرةُ حدودَ المجتمع نفسه لتغدو خطراً وجودياً على البشرية عموماً. وشواهدُ التاريخ على ذلك كثيرة، ممَّا أفرزته عقائدُ مبنية على التطرف والعنصرية، كالصهيونية والنازية والفاشية، من حروبٍ وكوارث حلَّت بالبشرية؛ ما زالت شعوبنا تنوء بتبعاتها؛ وما زالت تُونَع لها رؤوسٌ هنا وهناك في مواطنها، تغذِّي التعصُّبَ وتُشيع الكراهية وتبثُّ الفتن.

لم تكن القيمُ في مجتمعاتنا العربية بمنأى عن تشوُّهات سرعان ما تفاقمت واستفحل أمرها حتى بات يُخشى من أن تتحوَّل إلى آفات تفتك بالمنظومة العربية قيماً وفكراً وكينونةَ وجود.ولعلَّ من أخطر تلك التحديات في تاريخنا المعاصرالأيديولوجيات التكفيرية بما أنتجته من مشاعر سلبية تنضح تعصباً ورفضاً للآخر ونزوعاً إلى العنف. ومن تلك التشوُّهات أيضاً غلبة الفكر المادي والنزعة النفعية على الشعور بالانتماء الوطني، وتنامي الثقافة الاستهلاكية على حساب الثقافة الإنتاجية، وتأثُّر المحتوى الثقافي الوطني والقيم الإنسانية بثقافة العولمة.

لا شك في أن العواملَ المضْعِفةَ للقيم المجتمعية متعددة متنوعة، كذلك هي العوامل المعزِّزة لها، والعاملُ الثقافي ليس أقلَّها أهمية. وبما أن الفرد محاط في مختلف مراحل حياته بعدد من الدوائر الثقافية، بدءاً من الأسرة، مروراً بالمجتمع الضيق، وانتهاء بالمجتمع الأوسع، ونظراً للتداخل الكبير بين تلك الدوائر، كان لا بد من اكتمال دور كلٍّ منها ومن تكاملها جميعاً فيما بينها لإنتاج شخصيةٍ متوازنةٍ واثقةٍ بهويتها الوطنية ومعتزَّة بانتمائها الحضاري، وبناءِ فكرٍ نيِّر منفتح، محصَّن ضد الدخيل المخرِّب للقيم والمُوْهِن للنسيج الوطني. في هذا السياق، يتوازى في أهميته دور المنخرطين في الشأن الثقافي، أفراداً ومؤسسات، وتتعاظم المسؤوليةُ الملقاةُ على عاتقهم جميعاً، مسؤوليةُ بناء الإنسان وصولاً إلى بناءِ مجتمعِ القيمِ، مجتمعِ ِالاستقرار والسعادة والرخاء، في دولةٍ عصرية، دولةِ القانون والمؤسَّسات.

 

اضغط على الرابط أدناه لقراءة العدد كاملاً:

(العددان 716 – 717، أيار، وحزيران 2023) pdf.