كلمة وزيرة الثقافة السورية في إكسبو 2020
وزيرة الثقافة
الدكتورة لبانة مشوِّح
الحضور الأكارم
السيدات والسادة
قد لا تسعفنا الكلمات مهما بلغنا من فصاحة اللسان وحلاوة القول، كي نعبّر عن سعادتنا بمشاركتنا في معرض إكسبو 2020، هذا المعرض الدولي الذي أثبت منذ بدايات القرن الماضي أنه ملتقى الإبداع، وبوصلة الابتكار، ومرآة التقدّم الفكريّ الذي ينعكس ازدهاراً معمارياً وتقانياً وجمالياً.
عندما أتينا إلى أرض الإبداع لنشارك في ملتقى الإبداع، أتينا من أرض الأصالة والوفاء والجمال نحمل نفحات من عطر الشام، ننثر عبق ياسمينها فوق ذرى نخيل الإمارات الأشم، لتتلقف بوحَه وتتمايلَ على شذى أنغامه.
أتينا إلى إكسبو 2020، ملتقى العقول والأفكار لبناء مستقبل أفضل، ونحن نحمل عبئاً ثقيلاً، لكنه في آن معاً تركة عزيزة على قلوبنا. فنحن أبناء أرض هي منبت خير ومبعث نور. بل هي فخر الكون وزهوته. أتينا للمشاركة في معرض الأفكار هذا ونحن نحمل على عاتقنا وفي قلوبنا إرثاً تراثياً ثقافياً فريداً بتنوعه وغناه، تفتّحت في أفيائه هويتنا الثقافية الوطنية الجامعة، وهي نتاج حضارة متجذرة في عمق التاريخ، حضارةٍ عمرها لا يقِلّ عن عشرة آلاف عام، تعاقبت لتنتج مزيجاً ثقافياً غنياً بمكوناته، متعدداً بروافده، جميلاً في انسجامه وتناسق ألوانه. وإذا كانت ثقافتنا نتاج عشرة آلاف عام من العطاء، فإنها ثقافةٌ لا تشيخُ ولا تبيدُ… عنقاءُ شامخة أزلاً متجدّدة أبداً، لا يتسلّل الوهن إلى مفاصلها… كانت ولا تزال منتجة للإبداع فكراً وفناً وخيراً وعطاءً للبشرية، تحطّم جدران التقوقع والانعزال والتعصّب، وتمتطي خيول الإبداع وصولاً إلى ملامسة حلم الإنسانية بعالم أجمل.
منذ عشرة آلاف عام أهدينا العالم أقدم منحوتة تشكيلية مكتشفة. ونقل بها أجدادنا وسيلة التعبير التشكيلي الراقي إلى مرحلة انطلق منها إبداع لا ينضب، لا تعوقه مادّة ولا يحدّه خيال ولا تقيده حدود، إبداع باق ما بقيت الحياة على هذه الأرض. ظل التشكيليون السوريون المحدثون أمناءَ على رسالة أجدادهم. كانوا من أوائل من طالتهم تبعاتُ عشر سنوات عجاف من الحرب على سورية، وممن دفع ثمناً غالياً نتيجة الإرهاب الظلامي الرافض لكل وسيلة تعبير حضاريّة، بل لكل وجود حضاري… استمر الفنان السوري على الرغم من كل الظروف، وأثبت أنّه قادرٌ على أن يكون لإبداعه حضور لافت على الساحة الفنية داخلياً وخارجياً.
وفي سورية ولدت الأبجدية الأولى، جابت أحرفها أصقاع الكون، ألهمت الإنسان فكراً وقلماً وحسن تعبير، فأنبتت فلسفة وقوانيناً ودساتير حياة. ولا يزال الفكر يتجدّد والإبداع يتوالد فكراً نقياً وأدباً راقياً وخُلقاً وعِلماً يُعتدّ به.
إنسانُنا كان رائداً للبشرية في توثيقَ تراثه وضمانَ استدامته؛ فنوّط أنغامَه منذ نحو ثلاثة آلاف عام لتجويدِ شدو أناشيده، وتلحينِ قصائد عشقه وشجوه، وضمانِ نقلِها إلى الأجيال من بعده. واليوم تزخر سورية وتفخر بموسيقييها الأكاديميين المبدعين في شتى فنون الموسيقا العربية والكلاسيكية والمعاصرة، أثبتوا جدارة ومهنية عالية عربياً وعالمياً… وبفضلهم يستمر الإبداع في الموسيقا كما في مختلف فنون الأداء. اليوم سيكونون في سماء دبيّ المعطاءة لُجينَ البدر وضياءَه، وفي عروة هويتنا الثقافية وساماً. وإذا كانت الموسيقا غذاءَ الروح، فهي اليوم وثيقةً حيّة، تنطق بلغة لا تحتاج إلى ترجمان، تقصّ على مسامعكم ملحمة الإبداع الموسيقي السوري، تروي لكم حكاية وطن ليس ككل الأوطان: وطنٌ لو تمعّن الزمان في سِفر تاريخه لما تجرأت عليه الأقدار.
إنّ حرصنا على توثيق عناصر تراثنا المادي واللامادي نابعٌ أولاً من اعتزازنا بهويتنا الثقافية وتمسكنا بكلّ مكوناتها، ومن ضرورة العمل على تطوير هذا التراث، ضماناً لاستدامته وتكريسه عنصراً أساسياً من عناصر التنمية المجتمعية، ليصبح أحد حوامل الاقتصاد الوطني. وكلنا ثقة أنّ هذا التراث الوطني الذي ترك بصمة لا تمحى على جبين الحضارة الإنسانية إنما تقع مسؤولية الحفاظ عليه على الإنسانية جمعاء.
من دمشق التي ترفل بثوب ياسمين ناصع لا يبلى، دمشقُ التي لا تزال غيمات عطرها تجوب الآفاق وتُمطِر عِشقاً وخيراً وسلاماً أينما حلّت…. دمشق الـمُحِبّة الحانية، دمشق المشتاقة إليكم كما شوقُكم إليها، أتينا أيتها السيدات أيها السادة، موشّحين بثقافة جمعت الحسنَيَيْن: الأصالةَ والتجدّد؛ نحمل إليكم ما عهِدَ العالمُ مِنّا: فناً وتراثاً وثقافة غنية عريقة في أصالتها، متجدّدة في إبداعاتها. هي رسالة عشق من الشام، من سورية فخرِ الكون وعزّتِه، إلى كلّ محبّ، بل إلى الإنسانية جمعاء، لأننا نستحق أن نحيا بحب ووئام، أعزّة كِرام.
كلّ الشكر لدولة الإمارات العربية المتحدة لرعايتها للثقافة والفنون بناءً للإنسان المبدع المعطاء. كلّ الشكر لإمارة دبيّ الحاضنة للمبدعين. كلّ الشكر والإعجاب للقائمين على معرض إكسبو 2020 على روعة الأداء وحسن التنظيم. والشكر من القلب للقائمين على الجناح السوري والمنظمين لكل فعالياته الثقافية، ولا سيما بعثتنا الدبلوماسية في الإمارات العربية المتحدة، والأمانة السورية للتنمية والأخوة والأصدقاء الداعمين لهذه الأنشطة.مباركة جهودكم جميعاً، فقد أثمرت نجاحاً منقطع النظير في جمْع العقول وتوليف الثقافات خدمةً للإنسان وبناءً لمستقبل هو به أجدر.
* ألقيت في دبي في معرض إكسبو -شباط 2022.
اضغط على الرابط أدناه لقراءة العدد كاملاً: