الهوية الوطنية
وزيرة الثقافة
الدكتورة لبانة مشوِّح
يكثُر الحديث في أوساط المثقّفين عموماً ولا سيما الباحثين في مختلف حقول العلوم الإنسانية الاجتماعية والنفسية على وجه الخصوص، عن «الهوية» ومدى تأثّرها، سلباً أو إيجاباً، بالحروب والأزمات التي تعصف بالشعوب على اختلافها؛ حروب وأزمات تفعل فعلها في النفوس، تحفر فيها أثلامها العميقة، فتقلب الكثير من المفاهيم التي قد تطال أحياناً منظومة القيم والمبادئ التي أُسِّس عليها قوام المجتمع وتماسُك بنائه.
الحديث عن «الهوية» طويل متشعّب؛ فإذا شئنا تأصيل المصطلح لغوياً، فإنَّ هوية الإنسان هي حقيقته وما يميّزه عن سواه من صفات جوهرية. أمَّا اصطلاحاً، فهناك ثلاث كلمات مفتاحية هي: الهوية، والثقافة، والوطن، تراها تتداخل في ثلاث عبارات اصطلاحية، عبارات لا شك متداخلة فيما بينها إلى حدّ يُلبِس على البعض المفاهيم التي تختزلها، لكنها في آن معاً عبارات متمايزة متكاملة: الهوية الثقافية، والهوية الوطنية، والهوية الثقافية الوطنية.
لا بدّ من التمييز بداية بين مفهومين للهوية متقاطعين غير متطابقين، ألا وهما مفهوم «الهوية الثقافية» و«الهوية الوطنية». أمّا «الهوية الثقافية» فالعلاقة فيها جدلية بين الثقافة الفردية وثقافة الجماعة، صغُرت هذه الجماعة أم كبرت، بمعنى أنَّ ثقافة الجماعة انعكاس لثقافة أفرادها، وتطبعهم بطابع يميّزهم عن سواهم من أفراد الجماعات الأخرى إرادياً أو عن غير وعي منهم، وهي التي تشكّل هويتهم. لكنّ ثقافة الفرد تنعكس أيضاً على الجماعة وقد تكون محفزاً لها على التطور.
وأمّا «الهوية الوطنية» فهي القاسم المشترك لمكونات الدولة-الوطن بعناصرها الثلاثة: الفرد والشعب والحكومة. إنها الشعور بتميّز «الذات الوطنية»، وغلبتها على «الذات الفردية» أو «المجتمعية الضيقة». تجلياتها الشعور بالانتماء الوطني والاعتزاز بهذا الانتماء في كل الظروف والأحوال، والسعي الدؤوب لإعلاء شأن الوطن انطلاقاً من الذات.
وبينما تغتني «الهوية الثقافية» وتتجدَّد بفضل قابلية بعض عناصرها للتطور والتغيّر مع الثبات في الجوهر، فإنَّ عوامل كثيرة ومتنوعة من شأنها أن تصيب «الهوية الوطنية» بالوهن، بعضها فردي، وبعضها الآخر مجتمعي، ومنها ما هو داخلي ومنها ما هو خارجي. كلّها تحتاج النظر فيها بتمعّن ودراستها دراسة متأنية… فـ«الهوية الوطنية» أساس قيام «الدولة» وتماسكها وديمومة بقائها.