تقدير الإبداع
وزيرة الثقافة
الدكتورة لبانة مشوِّح
دأبت وزارة الثقافة منذ عام (2012م) وهو تاريخ صدور المرسوم التشريعي رقم (11) القاضي بإحداث جائزتي الدولة التقديرية والتشجيعية في مجال الأدب والفنون، دأبت على تكريم المبدعين والمفكرين والفنانين تقديراً لهم على عطائهم الإبداعي في حقول الأدب والدراسات والفنون. والتكريم حق للمبدع، ومدلولاته تتجاوز حدود التقدير والتشجيع، وهو حتماً أكثر وأهم من مجرد اهتمام واحتفاء ومكافأة. إنه اعتراف بعطاءٍ دام عمراً، وتحفيز على المثابرة على مزيدٍ من العطاء وصولاً إلى ما هو أجمل وأكمل.
إنه اعتراف بأهمية نتاج الـمُقدَّر، وإدراكٌ عميق بفضله وبضرورة التعريف به وبنتاجه ونشره لما يحمله من قيمة إبداعية أو معرفية أو فكرية.
كرّمت وزارة الثقافة هذا العام كوكبةً ممن يُقدّر إنتاجُهم في حقول الأدب والفن التشكيلي، والدراسات التاريخية والأثرية، كلٌ في مجاله ولأسباب ارتأتها لجنة متخصصة مؤلفة من كوكبة من رجال الفكر والأدب، ومن الفنانين التشكيليين والنقاد والباحثين، توخَّينا في انتقائهم سعة الثقافة وعمق المعرفة ونبل الأخلاق والحكمة والأناة والحيادية. اجتمعوا، واقترحوا، وتبادلوا الرأي، وصوَّتوا، فأتت النتيجة على النحو الذي أعلناه. فكل الشكر لهم على جهودهم… ومبارك للفائزين الثلاثة الذين أسعدني بحق أن أمنحهم جائزة الدولة.
أعلام ثلاثة، برع كلٌ منهم في مجاله، وتميّز بموهبته ودأبه ونتاجه، فحقَ لكل منهم أن يُكرّم من الدولة بجائزة هي الأرقى في حقول الفنون والآداب والدراسات:
الأديب الأستاذ محمد أبو معتوق تنقّل بين فنون الأدب وأجناسه، وقطف من كل بستان باقةً زاهية الألوان فوّاحة العطر. خاض غمار الرواية والقصة والقصة القصيرة، وغامر بكتابة الشعر والدراما التلفزيونية. نُشرت له عشرات الروايات في سورية وخارجها. كُرّم هناك، وآن له أن يُكرَم هنا في بلده وبين أهله.
والفنان القدير أحمد نشأت الزعبي، تميّز مذ كان على مقاعد الدراسة، وبرعَ فناناً تشكيلياً، نتج من جذور التراث واغتنى من روافد الحياة. تخطّى الواقع بريشته، فتأرجح بين الانطباعية والتعبيرية والتجريد. استحضر من ذاكرته صوراً من الريف والمدينة، مدينة حماة الأثيرة على قلبه بنواعيرها وحماماتها الشعبية وثرثرة حاراتها.
وهو إلى ذلك نقابيّ مخضرم ومدرّس جامعيّ أفاد، ولا يزال، من خبرته ورؤيته الفنية أجيالاً نعوّل عليها في تطوير الحركة التشكيلية في سورية.
ومن الأدب والفن التشكيلي ننتقل إلى التاريخ البعيد لنعود إلى بلاد الشام وبلاد الرافدين، نصغي إلى الأكادية والآرامية والأبلانية، نستكشف جذور العربية وروافدها، ندخل التاريخ من أوسع أبوابه مع أستاذ جامعي موسوعي المعرفة، متبحّر في علمه، غارق في شغف البحث والتقصّي، تحمِل أجيالٌ من المختصين في التاريخ والآثار فضلَ علمه، وباحثٍ قدير في عصور ما قبل التاريخ وتاريخ الشرق القديم والدراسات العروبية. نجوب معه في دهاليز إبلا وأروقة أمورو وأبراج بابل… عشرات بل مئات البحوث في التاريخ القديم أضاء لنا الأستاذ عيد مرعي ما كنا نجهل، وعزز قناعتنا بأننا صنّاع تاريخ وبناة حضارة.
وبعد، فإن الدولة ممثّلةً بوزارة الثقافة لا تزال على عهدها ورسالتها باحتضان الإبداع والمبدعين وتكريمهم ودعمهم، وهي إذ تهنئ اليوم الفائزين، على يقين بأن الوطن يزخر بالمبدعين في شتى مجالات الفكر والأدب والفنون. نتمنى للجميع عطاءً نوعياً دافقاً، مُغنياً للعقول، منيراً للأجيال، بانياً للإنسان والأوطان.
وليكن تقدير الدولة لهم حافزاً على استمرار العطاء خدمةً للإنسان وارتقاءً بالأوطان إلى المصاف التي هي أهل لها.