العدد 23 – ربيع 2021

إشكاليّة الأمانة في الترجمة الأدبية

الدكتورة لبانة مشوِّح

وزيرة الثقافة

أثرنا سالفاً قضية الأمانة في الترجمة، وهي قضية إشكالية كانت ولا تزال مثار جدل واسع وعميق في الأوساط الأكاديمية والمهنية، حتى أنها باتت الشغل الشاغل للمعنيين في شؤون الترجمة الأدبية وأساليبها من باحثين ومترجمين.

وبصرف النظر عن الدلالة العميقة والدقيقة لهذا المفهوم وعمّا شابه من خلط ولبس كبيرين في أذهان البعض، فإنّ الأمانة تكرّست شرطاً لازماً في عملية النقل من لغة إلى أخرى. وهو مبدأ صعب المنال، لا بل عصيٌّ أحياناً لدى التصدّي لترجمة بعض النصوص الأدبية التي تتّسم بسمات خاصّة من حيث اللغة والتلاعب بالألفاظ، أو الأسلوب البلاغي المركّب، أو الخلفية الثقافية للنص أو الأديب أو حتى للغة نفسها مرآة الفكر والثقافة ووعائهما.

كلّما شرع المترجم بالتصدي لنصّ أدبيّ جديد تواجهه جملة تساؤلات تتزاحم أحياناً في رأسه وتثقل عليه، حتى أنها تؤخّر سلاسة انطلاقه في تأديته لما نذر وقته وجهده لتأديته. وأول هذه الأسئلة يتعلّق بجوهر العملية الترجمية نفسها: هل هي ترجمة للكلمات أم التراكيب أم الأفكار أم الأسلوب؟ وهل يترجم مستعيناً بالمكافئات أم بالمقابلات؟ وهل يكون أميناً في نقله للنص الأدبي للعبارات المكوِّنة للصور البلاغية أم لدلالاتها ولحواملها الثقافية؟وهل يكون سنده في فهم الدلالات السياق التركيبي أم النصّي أم المعرفي؟ / لثقافي؟

تساؤلات جوهرية لا يسع أي مهنيٍّ حذق أو باحث متبحِّر أو عالم منظِّر أن يأتيَلها بإجابات دقيقة قطعية، إذ إنّ لكل أديب أسلوبه، ولكل عمل أدبيّ، لا بل لكل نصّ خصوصيته. بل أذهب إلى أبعد من ذلك فأجزم أنّ لكل صورة بلاغية أو محسّن لفظيّ… ولكلّ تركيب لغويّ موقعه وخصوصيته في اللغة والثقافة المصدر، وله ما يقابله في اللغة والثقافة الهدف.

حذارِ من الانسياق خلف التعميم، وحذار حذار من الاستهانة بمهنة الترجمة، ومن ممارستها عن غير علم ودراية ودون التسلّح بحسّ أدبيّ وزاد لغوي ومعرفيّ وثقافة ثرّة، وفي اللغتين المصدر والهدف. وإلا فإن النتيجة لن تكون إلا تشويهاً للعمل الأدبيّ وللغة الهدف على حد سواء. وما أكثر ما تطالعنا ترجمات تنفرنا من متابعة قراءة عمل كان يوماً….أدباً جميلاً.

 

 

(العدد 23 – ربيع 2021) pdf.