المخطوط مرآة حضارة
وزيرة الثقافة
الدكتورة لبانة مشوِّح
وجد المخطوط في حياة البشر حين برزت حاجتهم إلى التدوين والتوثيق والنشر، ويبدو أنها حاجة قديمة قدم نشوء الحضارة وما رافقها من قيام نشاطات تجارية وقواعد تنظّمها وتنظّم العلاقات الاجتماعية، ومن صدور شرائع، وتفتح القريحة عن إبداعات أدبية. يكاد المخطوط إذن يكون مرآة الحضارات البشرية قبل اختراع الطباعة.
من أقدم المخطوطات المكتشفة مخطوط أدبي يعود إلى عام 1800 ق.م وجد في معبد الكرنك شمال مدينة الأقصر. كتب المخطوط بالهيروغليفية الهيراطية على ورق البردي. طوله أكثر من سبعة أمتار. أطلق عليه مخطوط بريس تيمناً بعالم الآثار إيميل بريس دافين الذي كان يعمل إلى جانب عالم الآثار الشيهر شامبليون في إحدى بعثاته التنقيبية في مصر (1843-1844). تقول الرواية إن بريس اشترى المخطوط من شخص الأرجح أنه وجده في موقع التنقيب نفسه، وكغيره من الآثار الفرعونية، انتقل المخطوط بقدرة قادر إلى أوروبا لينضم منذ عام 1845 إلى مجموعة المخطوطات الأثرية في المكتبة الوطنية الفرنسية، ولا يزال محفوظاً هناك.
أمّا المخطوطات العربية فقد تزامنت بداية العهد بها، كما هو معلوم، مع بداية عصر تدوين العلوم جميعاً، ولا سيما علوم السنّة وفقه الصحابة والأئمة الأربعة، وعلوم اللغة العربية من نحو وصرف وبلاغة وحساب وفلك…إلخ. وتزايدت الحاجة إليها مع اتساع رقعة الدولة والتهافت على تحصيل العلم واكتساب المعارف، فكان لا بد من حفظ تلك العلوم ونشرها.
أمّا حفظ تلك الكنوز فيقتضي تحقيقها بدءاً من العنوان وانتهاءً بمتن الكتاب والتمييز بين المخطوط الأم والمخطوط المنسوب، والمبهم والمصور… مروراً باسم المؤلف وصحة نسبة المخطوط إليه، وما يتطلبه ذلك كله من مطابقة خط العنوان مع خط المتن، والتثبت من اسم المؤلف بمقارنة النسخ، والتدقيق في تاريخ التأليف ومدى موافقته لسيرة المؤلف… فضلاً عن التحقق من موافقة المادة العلمية للفترة التي عاش فيها المؤلف.
باختصار…إن تحقيق المخطوط عمل بحثي متأنٍّ شاقّ لا يجوز أن يوكل إلّا إلى من هم أهل له من أصحاب الاختصاص، ولا بدّ من تقدير جهودهم التحقيقية الحميدة الرامية أولاً إلى الحفاظ على كنوز لا تقدر بثمن بدقة وأمانة علمية.
لقراءة العدد كاملاً، يمكنكم الضغط على الرابط أدناه:
مجلة المخطوط العربي- العدد الرابع