العدد 34 – شتاء 2024

الترجمة وإشكالية الشّكل والمعنى

وزيرة الثقافة

 الدكتورة لبانة مشوِّح

   عند الخوض في حديث الترجمة تبرز الترجمة الأدبية كأكثر صنوف الترجمة إشكالية، ومردُّ ذلك إلى أمرين أساسيين: الأول طبيعة النَّص الأدبي وعلاقة المضمر بالمعلن فيه، ما خفي فيه وما أُفصِح عنه. والثاني قدرة المترجم على نقل المضمر، وما يقتضيه ذلك من كشف لخباياه وإعادة تركيبه شكلاً ومضموناً.

المنظّرون من أصحاب منهج التحليل البلاغي ومنهج تحليل الخطاب، يرون في شكل النّص وعمارته أحد المفاتيح الأساسية للولوج إلى معناه. وقد بالغ بعض المنظرين من الترجميين في ذلك، وحذا حذوهم بعض فطاحل المترجمين، فذهبوا إلى حدّ إلباس شكل النص أحياناً معنىً اكتشفوه فيه من قبل، كما هي الحال في ترجمة النصوص المقدسة.

لا شكّ أن النظر إلى عمارة النص المصدر وتحليله الشكليّ من حيث عناصره اللسانية والبلاغية كافة بهدف كشف مقاصده وامتلاك معانيه أمرٌ بالغ الأهمية في العملية الترجمية. لكن هذه المقاربة تنطوي أيضاً على مسألة إشكالية بشقيّها النظري والتطبيقي؛ وهي وإن غدت من المسلّمات عند الترجميين المنظّرين في علم الترجمة، فهي لا تزال أشبه بحقل ألغام يخشى المترجمون الخوض فيه، بل هي أقرب إلى صندوق عجائب تتورّع غالبيتهم العظمى عن مجرّد لمسه خشية الغرق في لجّ أسراره ومكوِّناته. فما أكثر تلك المكوِّنات وما أعقدها أحياناً… وهل كل من يملك الغوص فيها واستنباطها لاكتشاف عمارة النص يمتلك القدرة على إعادة كتابته أو “إعادة بنائه” في عمارة تؤدي المعنى بما يتناسب وسمات اللغة الهدف وخصوصيتها.

على الرغم من أن الموضوع إشكالي، إلّا أنه من الضروري اعتماده أساساً للانطلاق في مقاربة النّص الأدبي ونقله إلى لغة أخرى. وهو ما لا ينبغي أن يخيف سدنة الترجمة، بل لا بدّ أن ينطلقوا منه إذا ما أرادوا التصدّي لترجمة نصوص أدبية متميزة توسّع الآفاق الفكرية والمعرفية، وتُغني الأساليب الأدبية، وتُطوِّر الحركة النقدية، وترتقي بإعداد المترجم نظرياً وتطبيقياً.

إن ترجمة النصوص الأدبية تقتضي الولوج إلى أعماقها وسبر أغوارها واستيعاب إشاراتها وإيحاءاتها لكشف خباياها وما يخفى منها عن النظرة السطحية العجلى، قبل الانتقال إلى المرحلة الأصعب، مرحلة إعادة بناء المعنى بالأدوات الملائمة في اللغة الهدف.

 

 

اضغط على الرابط أدناه لقراءة العدد كاملاً:

العدد (العدد 34 – شتاء 2024). pdf