العدد 31 – ربيع 2023

الترجمة بين التأويل والإبداع

وزيرة الثقافة

الدكتورة لبانة مشوِّح

شغلت العلاقة بين النَّص الأدبي والقارئ حيِّزاً كبيراً من الدراسات اللغوية والنقدية، ويكاد الباحثون أن يجمعوا على أن القارئ مبدع آخر للنَّص الأدبي. هذا ما عبّر عنه الناقد رولان بارت في حديثه عن “النَّص المفتوح” وعن “موت المؤلف”؛ وعنى بذلك أن النَّص مفتوح على كل التأويلات الممكنة، وأن القارئ ليس مجرد مستهلك سلبي للنَّص الأدبي، بل هو شريك في إبداعه، بما يثيره النَّص في نفسه من مشاعر وأحاسيس، وما يحييه في مخيلته من صور، وما يمليه مخزونه الثقافي عليه من تأويلات.

وذهب الشاعر بول فاليري أبعد من ذلك، إذ رهن الإبداع بالتلقي حين عدَّ أن حبلاً سرياً يربط الكاتب بنصِّه الأدبي، وحالما يفرغ الكاتب من مؤلفه، “يبدأ تكوّن المعنى الحقيقي للعمل الأدبي في نفس القارئ”. وسواء اتفقنا وهذا الرأي أم رأينا فيه بعضاً من مغالاة، فهو حتماً لا يُبطن تجنيّاً على الكاتب، إذ بقدر ما يحمل النَّص الأدبي من شحنة إبداعية يشعلُ جذوةً سرعان ما تنير دروب التأويل في ذهن متلقيه.

ما يعنينا هنا هو موقع المترجم من النَّص الأدبي حصراً، لا سيَّما الشعري، من حيث هو متلق ومرسل في آن معاً، وتلك حقيقة لا مراء فيها. أي أن ما ينطبق على القارئ العادي ينطبق على المترجم حتماً من حيث المبدأ في كونه مبدعاً آخر للنَّص الشعري. لكنّ قدرة المترجم على “الإبداع” مرهونة بما يمتلك من وعي لغوي وعمق معرفي وسعة خيال وقدرة على التأويل، متحرِّراً من قيدِ الحَرْفية وأسرِ المعجمية على اتِّساع نطاقها وغناه، معتدّاً بدلالات التراكيب والسياقات لاستنباط المعنى، متقمّصاً روح الشاعر وجسده بما يبيح له سبر أغواره والتحليق وإيّاه في عوالمه الشعرية، وصولاً إلى تأويل صوره. فإذا ما ارتقى به مستوى وعيه اللغوي ومخيلته الشعرية إلى مستوى النَّص الذي ينتجه، يحقُّ له أن يوسم بالإبداع.

من هنا نستطيع التأكيد أن اتفاق المترجمين على تأويل النصوص الشعرية الحداثية أمر أقرب إلى العبثية، الأمر الذي يُسوِّغ تصدّي أكثر من مترجم لترجمة الأعمال الشعرية نفسها. لكن ولوج باب ترجمة الشعر يُعدّ من أكثر المهام صعوبة، لا بل إنه تجربة محفوفة بالمخاطر، لا يقدر على خوض غمارها إلّا من تميّز بملكة لغوية وبنية ذهنية تنعكس “إرادة شعرية خلاقة” عبّر عنها بعضهم بأنها “انزياح ممنهج عن قانون اللغة” بمستوياتها كافة، انزياح ينتقل بالنَّص من بنية اللغة العادية المنطقية إلى بنية اللغة الشعرية.

 

 

اضغط على الرابط أدناه لقراءة العدد كاملاً:

(العدد 31 – ربيع 2023) 2023. pdf

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *