التراث الشعبي – العدد 25

قدودنا …إلى التراث الإنساني

 

وزيرة الثقافة

        الدكتورة لبانة مشوِّح

 

“القدود الحلبية أدرجت ضمن القائمة التمثيلية للتراث الإنساني في منظمة اليونسكو”.

ذاك كان القرار الذي نطق به رئيس اللجنة الحكومية الدولية لحماية التراث الثقافي اللامادي في اليونسكو، أثناء اجتماع الدورة السادسة عشرة للجنة المنعقدة في باريس بين 13 و18 كانون الأول 2021. قرار انتظرناه بلهفة وترقّب بعد جهد دؤوب وعمل طويل قام به فريق من الخبراء الوطنيين، وشارك فيه باحثون وفنانون متطوّعون، والكلّ مدفوع بإدراك عميق لقيمة موروثنا الثقافي اللامادي، وبشعور عال بمسؤولية حمايته وضمان استدامته.

جهود كبيرة بُذِلت في إعداد الملف داخلياً وخارجياً وعلى مدى أربعة أعوام. والجهد الأكبر بذلته الأمانة السورية للتنمية التي أخذت على عاتقها طوال السنوات الماضية حماية التراث اللامادي باعتباره يشكّل جزءاً أساسياً من الهوية الوطنية، وحسن استثماره ينبغي أن يكون في ضمان استدامته، وفي تمكين حامليه وصولاً إلى التنمية المجتمعية. ملفّ القدود الحلبية أعدّ بالتعاون مع وزارة الثقافة وفق منهجية علمية دقيقة مبنية على دراسات معمّقة. وقد أثنت اللجنة على ملف القدود الحلبية وما قدّمه من “إبراز لأهمية التراث اللامادي وقدرته على مدّ المجتمعات بمصادر الصمود في حالات النزاع وما بعد الصراعات، وفي تعزيز بناء السلام والحوار بين المجتمعات”.

وضمن هذا التوجّه الوطنيّ العام، وانطلاقاً من الحرص عليه، أدرجت وزارة الثقافة في الجمهورية العربية السورية ضمن خطتها الإِستراتيجية للأعوام 2020-2023 برنامجاً إطارياً وطنياً شاملاً تضمّنه البيان الوزاري الذي أقرّه مجلس الشعب، ألا وهو برنامج “حماية وصون التراث المادي والتراث اللامادي”، بما يتضمنه من مشاريع توثيق، وتسجيل، وحماية وترويج. وفي هذا الإطار، شرع القائمون على تطبيق هذا البرنامج بشقّه التراثي الماديّ في المديرية العامة للآثار والمتاحف، بإطلاق عملية جرد وتوثيق وأرشفة لمقتنيات المتاحف السورية التاريخية، وتصنيفها ضمن أرشيف ورقي وآخر رقمي. كما شرعوا بوضع خريطة رقمية للمواقع الأثرية تحدّد موقعها على الخريطة الجغرافية السورية، وتبيّن ما كانت عليه قبل الحرب الإرهابية على سورية، وما آلت إليه في واقعها الحالي، وتشرح للمتصفّح تاريخها وقيمتها الأثرية الحضارية. كما عملوا على تنظيم ورشات عمل ودورات تدريبية، والهدف توثيق هذا التراث العظيم حفاظاً عليه من النهب والسرقة والتشويه، وبما يسهِّل استعادة القطع المسروقة وترميم ما يحتاج من الأوابد إلى ترميم وفق معايير محدّدة ومنهجية علمية دقيقة.

وأمّا في الشقّ المتعلق بالتراث اللامادي فقد أعيد تنظيم وهيكلة مديرية التراث الشعبي في وزارة الثقافة لتصبح مديرية للتراث اللامادي مسؤولة عن وضع المعايير الوطنية لحصر عناصر تراثنا اللامادي وتوثيقه وتسجيله، حفاظاً عليه من الاندثار وحماية له من التشوّه، وتحفيزاً لحامليه على الارتقاء به وتطويره مع الحفاظ على أصالته. وقد أطلقت الوزارة بالتعاون مع الأمانة السورية للتنمية مشروعاً رائداً لحصر وتوثيق عناصر التراث اللامادي في محافظة طرطوس. شُكِّلت فرق من العاملين في مديرية الثقافة في المحافظة ومن المتطوعين، ودُرِّبوا على حصر العناصر، وما أكثرها، وهي الآن قيد المعالجة في مديرية التراث اللامادي في الوزارة. وتستمر الجهود على جبهات مختلفة، فحماية تراثنا الثقافي هو حماية لتاريخنا، وصون لعناصر مهمة وأساسية في تكوين معالم هويتنا الثقافية، وفي الحفاظ على تماسكنا المجتمعيّ وتميّزنا الحضاري الوطني.

قرار إدراج القدود الحلبية على قائمة التراث الإنساني قرار ترقّبناه بشغف كبير، لا يعادله إلا شغف السوريين، لا بل عشقهم لهذا الفن السوري العريق الذي ترنّمت بألحانه آذان العرب جميعاً، واهتزت له أوتار القلوب.

اليوم غدت قدودنا تراثاً إنسانياً مسجّلاً، لا يحق لأحد أن يُنكِر أصولها ومنبتها وحاضنتها، ولن يسع سُرّاق الأرض والتراث أن ينسبوها يوماً إلى أنفسهم زوراً وبهتاناً… وما أكثر ما سرقوا، وما أجمل ما شوّهوا! القدود اليوم محصّنة هويتها، مدموغة بالدمغة العربية السورية الأصيلة، تجوب سماء العالمية، تحمل أينما حلّت أريج نارنج حلب وعبق ياسمين الشام. تُغنّى هنا، ويُسمع صداها هناك، ويتمايل على إيقاعها ملايين البشر في شتى أصقاع الأرض.

مبارك لسورية هذا الإنجاز. مبارك لشيبها وشبابها المصمِّمين على صون تراثها الغنيّ العريق والارتقاء به، بالرغم من حصار ظالم يحارب السوريين في لقمة عيشهم، ويصادر مقدراتهم.

 

اضغط على الرابط أدناه لقراءة العدد كاملاً:

(التراث الشعبي – العدد 25) pdf.