العدد المزدوج 24, 25 – صيف وخريف 2021

اليوم العالمي للترجمة-28 أيلول 2021

وزيرة الثقافة

 الدكتورة لبانة مشوِّح

نلتقي اليوم، كما درجنا في كل عام، للاحتفاء بالترجمة فعلاً إنسانياً ثقافياً ومعرفياً، يحمل في زاده إنجازات تحققّت، ومشاريع يعكف كلٌّ منَّا على إنجازها، وعثرات تجاوزناها، وهموم ومصاعب لا بدّ أن نجد لها حلولاً بما يحقق الرسالة التي نذرنا أنفسنا لها.

وأما الإنجازات فهي كثيرة، حقّقناها فُرادى وجماعات، سواء على الصعيد الشخصيّ أو على الصعيد المؤسساتي. وكذا الصعوبات والتحديات: جهود تضافرت، وساعات عمل طوال بُذِلت، وأموال أُنفقت لتمكين المترجم من المساهمة في عملية الإغناء الفكري والمعرفي والتنمية الحضارية بكل أبعادها، وتمكين الترجمة من أداء دورها وما يُرام منها في إزالة الحواجز الثقافية، بتجاوز العوائق اللغوية وصولاً إلى معرفة أفضل للآخر، وبناء جسور التواصل الفكريّ والمعرفيّ بين الشعوب والإفادة من زادها المعرفي وامتلاك مفاتيح الولوج إلى أسرارها الفكرية.

تعدّدت النظريّات والمقاربات والرؤى التي تتناول الفعل الترجميّ؛ فكانت النظرية اللسانية في الترجمة، والنظرية الـتأويلية، ونظرية الهدف الأقرب إلى الوظيفية، والدراسات الترجمية والنظريات متعددة النظم، والنظرية السيميائية في الترجمة، والمقاربات الرديفة للنظريات الأدبية التي تصحُّ على الترجمة الأدبية دون سواها، إلخ…

واقع الأمر أن أحداً لا يملك وصفة سحرية يعمِّمها كي يعتمدها المترجمون ليخرجوا بأفضل النتائج، فلكل نوع من أنواع الترجمة (تحريرية كانت أم فورية أم سمعبصرية) خصائصه ومقوّماته وشروطه التي ينبغي التقيّد بها والعمل بموجبها؛ وهي خصائص متغيّرة بحسب اللغة المصدر واللغة الهدف. كما أنها متبدّلة تبعاً لنوع النص المصدر المراد نقله إلى اللغة الهدف؛ فترجمة نص علميّ تخضع لمعايير معيّنة لا بدّ للمترجم من أن يتقيّد بها، وهي تختلف اختلافاً جذرياً عن تلك التي تخضع لها ترجمة النصّ الإعلاميّ، أو النص الأدبي الذي له مقوّماته وسماته. بل إنَّ النصَّ الأدبيَّ يختلف باختلاف جنسه؛ لا بل باختلاف أسلوب الأديب ولغته في الجنس الأدبيّ الواحد، أي باختلاف سمات إبداعه. والتحدي الكبير أن حصيلة الترجمة على السوية نفسها من الإبداع والتجديد.

وتبقى أمانة النقل شرطاً لازماً في الممارسة الترجمية، لكن الكثير من الإبهام والتعقيد يشوب مفهوم الأمانة هذا. وما أدلّ على ذلك إلا مقولتين قد يبدو للوهلة الأولى أنهما متناقضتان تناقضاً بيِّناً: المقولة الأولى لصامويل بتلر الذي يعلن على رؤوس الأشهاد: سأترجم كلَّ شيء بحرية، فمن دونها تصبح أيُّ ترجمة أسيرة الحرفية. والثانية لإيميل سيوران Emil Cioran، إذ يقول: تصبح الترجمة سيئة عندما تكون أوضح وأذكى من الأصل، مما يعني أنها لم تفلح في المحافظة على إبهام الأصل، وأن المترجم فرض على القارئ وجهة نظره، وتلك جريمة. ترى هل يضيع المترجم بين هذا الموقف وذاك؟ سؤال على كلّ مترجم حذقٍ، متمكنٍ من مهنته، مدركٍ لرسالته أن يُمعن الفكر فيه ويدرك كامل أبعاده.

السيدات والسادة:

الترجمة فعل إنسانيّ إراديّ، له هدف محدّد يُمليه موقف محدّد، ويشكّل المتلقي واحتياجاته التواصلية وتوقّعاته وثقافته ومدى معرفته بالعالم أحد أهم العوامل التي يُحدَّدُ الهدفُ على أساسها. وبما أن الفائدة من الترجمة هي الهدف، كان لا بدّ من التأني في انتقاء مادة الترجمة. هي اليوم دعوة أوجهها إلى كل المعنيين بالشأن الترجميّ، أفراداً ومؤسسات، بعدم الاستسهال أو التساهل في هذا الباب، واختيار ما يلبي حقاً حاجات التنمية ومتطلباتها.

إلى المترجمين في يوم الترجمة: كل عام وأنتم تتصدّون للمهمة الصعبة والعاقّة في كثير من الأحيان. كل عام وأنتم تحسنون الانتقاء والعطاء. كل عام وأنتم حملة الرسالة الحضاريّة النبيلة. كل عام وأنتم بخير.

 

 

(العدد المزدوج 24, 25 – صيف وخريف 2021) pdf.