ندوة ثقافية عن “التسامح”

بدعوة من سفارة الإمارات العربية المتحدة في دمشق شاركت الهيئة العامة السورية للكتاب في ندوة ثقافية بعنوان “التسامح” يوم الخميس 26/8/2021، حيث تناولت الندوة مفهوم التسامح وأهميته ثقافةً ونهجاً في المجتمعات العربية، وركّز المتحدثون على تجربتيّ الإمارات وسورية في هذا المجال.
أدار الندوة السيد عبد الحكيم النعيمي القائم بأعمال سفارة دولة الإمارات وتحدّث فيها السادة: د. ثائر زين الدين المدير العام للهيئة العامة السورية للكتاب، ود. محمد الحوراني رئيس اتحاد الكتّاب العرب، ود. إسماعيل مروة، ود. محمد شريف الصوّاف المشرف العام على مجمع الشيخ أحمد كفتارو.
حضر الندوة السيد الدكتور بشار الجعفري معاون وزير الخارجية والمغتربين، وبدأت بحديث أ. عبد الحكيم النعيمي عن مفهوم التسامح ودوره في حياة البلاد وتجربة الإمارات السبّاقة في هذا السياق، ورحّب بالسادة الضيوف المحاضرين، ليفتتح رئيس اتحاد الكتّاب العرب الحديث قائلاً: ” تبدو المجتمعات عموما بأمس الحاجة إلى التسامح من أجل زيادة لحمتها وتمتين وحدتها، وإذا كانت الحروب قد أسهمت في شرذمة الشعوب وتفرقتها، فإن تعميق التسامح، عمليا لانظرياً، هو من أهم العوامل المساعدة في تجاوز آثار الحروب ونكباتها، كما أن الاشتغال عليه إعلامياً وتربوياً وتعليمياً كفيل بخلق المجتمع المتسامح والمتآخي، وقد كان للمثقف الدور الأهم في الدعوة إلى التسامح وتأصيلها للتخلص من آثار الحروب وخلق مجتمع المواطنة، ويؤكد هذا تلك الدعوة وذلك النهج الذي تبناه فولتير وما أحدثه من أثر إيجابي على مستوى أوروبا”. وأردف د. الحوراني: “من جهة أخرى فإن التسامح من أساسيات ثقافتنا وفكرنا وديننا، ويستوي في هذا المسلم والمسيحي، فالدعوة إلى التسامح دعوة إنسانية أخلاقية، تقوي المجتمع وتزيد من قوة الدولة”.
ثم تحدث د. ثائر زين الدين مثنياً بداية على تجربة دولة الإمارات في تدريس مادة لطلاب المرحلة التأسيسية تتناول الأخلاق، وتفرد لمفهوم “التسامح” أكثر من درس. لينتقل إلى تعريف مفهوم التسامح الذي ينطلق من احترام حق الآخرين في التمتع بحقوقهم وحرياتهم وثقافتهم، والذي يبدأ أساساً من فكرة قبول الآخر المختلف فكرياً، أو ثقافياً، أو دينياً، أو عرقياً، وفي ذلك يقول: “ولد مفهوم التسامح عقب الصراعات الدينية بين الكاثوليك والبروتستانت، التي أنهكت أوروبا منذ القرن السادس عشر، حتى أواخر القرن الثامن عشر، حيث برز خلال هذه الفترة بعض الفلاسفة والمفكّرين والمصلحين ممن اهتموا بمخاطبة العقل الإنساني، ومنهم: ديكارت، وسبينوزا، ولبينتز، وهيوم، وكانط، إلا أن أهم مفكّري تلك الحقبة كان جون لوك، الذي أرسى الأسس الفلسفية لحقوق الإنسان، التي تجلت في كتاب (رسالة في التسامح)، وأهم ما تضمنه تساوي الناس في الحريات والحقوق، ثم أتى بعده فلاسفة التنوير في القرن الثامن عشر، وطرحوا مجموعة من الآراء حول التسامح، ودأبوا على إشاعة أفكاره وإرساء قيمه ومبادئه، لتشمل مجالات الفكر وحرية التعبير والمواقف السياسية، ومنهم: فولتير، وروسو، وديدرو، هكذا حتى تبلورت هذه الأفكار في أواخر القرن التاسع عشر كمبادئ أساسية للتسامح، وشكّلت إرهاصات لبزوغ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948”. وأردف يقول: “وقد أقرت الأمم المتحدة عام 1993 بناء على مبادرة المؤتمر العام لمنظمة اليونسكو يوماً للتسامح ويصادف في 16 تشرين الثاني من كل عام، وذلك للتأكيد على نشر قيم التسامح بين الأمم والحضارات المختلفة، وقد نصّ “إعلان مبادئ التسامح الأممي” الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1996 على أن التسامح يعني: (الاعتراف بحقوق الآخرين، والاحترام والتقدير للتنوع والتعدد والاختلاف، باعتباره ثراء يميز ثقافات وحضارات العالم المختلفة، إضافة إلى توسيع مساحات وفضاءات الانفتاح والاتصال وحرية الفكر والضمير والمعتقد)”. ثم تابع زين الدين حديثه عن تجليات هذا المفهوم على الأرض السورية، وخصّ بيئة الجزيرة السورية ولا سيما قبل (داعش، وقسد)، وحلب، والجنوب السوري، إضافة إلى ذكره البيئة الشامية والتسامح المعروف فيها، مؤكداً أن مفهوم التسامح يحتاج إلى دساتير وقوانين وتشريعات تنقله من مفهوم ديني وأخلاقي إلى حيّز المواطنة والحريات المعروفة.
وتناول الشيخ د. محمد شريف الصوّاف المشرف العام على مجمع الشيخ أحمد كفتارو مفهوم التسامح وتجلياته في الإسلام ولاسيما في القرآن الكريم. وعرج د. إسماعيل مروة في مداخلته على دور المؤسسات في تحقيق مفهوم التسامح على أرض الواقع.
وأشار الدكتور بشار الجعفري نائب وزير الخارجية والمغتربين الذي حضر الندوة كضيف شرف إلى جانب ممثلي البعثات الدبلوماسية العربية المعتمدة لدى دمشق، في مداخلته في ختام الندوة إلى أن لكل أمة تاريخاً يضم صفحات مشرقة وصفحات سوداء، ولفت إلى أهمية أن نستمد كعرب من تاريخنا كل ما هو إيجابي ومشرق ونعمل على تعزيزه لا لكي نجلد أنفسنا ونقول كنا كذلك وأصبحنا هكذا، وإنما لنجنب الأجيال القادمة تكرار التجارب المظلمة في تاريخنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *