العدد 1 – عام 2021

المخطوط العربي توثيق التراث وحمايته

    الدكتورة لُبانة مشوِّح

وزيرة الثقافة

يُذهل المرء أمام العدد الهائل للمخطوطات العربية التي تختزنها مكتبات العالم. مخطوطات تحتوي ترجمات لمؤلفات القدماء من الفرس واليونان وفلسفتهم وعلومهم، وكنوزاً في مختلف صنوف العلوم والآداب التي برع بها العرب، وتأريخاً للأحداث، وتوثيقاً لعاداتٍ وتقاليدَ وأعراف وممارسات وطقوس توارثتها الأجيال عبر الزمن، وقيماً روحية، وجماليات تصويرية وزخرفية، غدت كلّها مجتمعة جزءاً لا يتجزّأ من المكوّن الثقافي للإنسان العربي.

أول مكتبة في العالم من حيث عددُ المخطوطات العربية والإسلامية التي تحتويها هي بلا شك مكتبة الكونغرس الأمريكي.

وفي المكتبة البريطانية وحدها ما يزيد على خمسة عشر ألف مخطوط عربيّ وإسلاميّ يعود تاريخها إلى الفترة الممتدة من أوائل القرن الثامن الميلادي إلى القرن التاسع عشر، جُمِعت بوسائل عدّة من أقصى العالم الإسلامي إلى أقصاه استحوذت عليها بريطانيا من مستعمراتها، ولا سيَّما في الهند وماليزيا وإندونيسيا والبلاد العربية، شراءً أو عن طريق الإهداء. ولعلّ أهمّ المجموعات التي وصلت إليها عن طريق المتحف البريطاني هي مجموعة الطبيب هانز سلون (1660-1753)، وتحتوي على قرابة 120 مخطوطة عربية. أما توماس هوارد (1568-1646) فقد جمع قرابة 550 مخطوطة محفوظة اليوم في المكتبة البريطانية. وهي تكاد تشكّل، بعد مكتبة الكونغرس، أكبر مكنز لتلك النفائس العربية في أوروبا والعالم، منها على سبيل المثال لا الحصر مخطوطات من القرآن الكريم بالخط الكوفي إحداها منسوبة إلى الإمام علي بن أبي طالب، ومخطوطات صوفية للإمام الغزَّاليِّ وعبد القادر الجيلاني، وديوان كل من أبي تمام والمتنبي، ومخطوطات في الطب للرازي وأخرى في علوم النحو والعروض والصرف، وكتب نادرة لها أهمية تاريخية وتوثيقية كبيرة. يُضاف إليها مجموعة ضخمة من المخطوطات العربية التراثية التي تعود إلى القرون الأولى للإسلام محفوظة في كل من جامعة برمنغهام والمتحف البريطاني. وهو ما شرحه بإسهاب البرفسور ج.د. بيرسن في معرض حديثه عن المخطوطات الشرقية في أوروبا وأمريكا الشمالية في مؤلَّفه الذي يحمل العنوان نفسه، معترفاً بحقيقة أن الحضارة العربية الإسلامية كانت للغرب بمنزلة منارة علم ومنبع معارف ثرة.

أمّا فرنسا، فقد أرسلت في القرن السابع عشر بعثات مهمتها جمع المخطوطات الشرقية، وكان أولها بعثة الملك فرانسوا الأول إلى إيطاليا والبلاد العربية سعياً لاقتناء نفائس المخطوطات العربية والإسلامية، إدراكاً منه لقسمتها في بناء صرح المعرفة وضمان التقدم. ومع الوقت أصبح مخزون المكتبة الوطنية الفرنسية من تلك المخطوطات بالآلاف اشتُرِيَتْ أو استحوذ عليها إهداء أو استيلاء. جمع كثيراً منها الرحالة والدبلوماسيون ورجال البعثات الدينية التبشيرية والدارسون، إلى أن بلغ عدد تلك المخطوطات العربية في المكتبة الوطنية الفرنسية وحدها قرابة 7300 مخطوط، ناهيك عن الكتب التي يربو عددها على 45 ألف كتاب…

لطالما كانت سورية حاضنة للتراث العربي الإسلامي حافظة له مبرزة للقيم التي يجسدها، غَدَتِ اليوم أحرص من أي وقت مضى على التمسك بهذا الدور الريادي الذي اضطلعت به.

من هنا، أطلقنا مشروع مجلة المخطوط العربي الذي نرجو أن يكون بداية عودة الوعي بأهمية الكنوز التي يجسدها، وسَبْرِ أغوارها، واستقاءِ العبر من جهود السلف في شتى ميادين العلوم… لعلّ الراية تعود لأصحابها…. ولكلّ مجتهد نصيب.

 

 

(العدد 1 – عام 2021) pdf.