لا تدعي هذه الدراسة أكثر من العنوان الذي ظهرت به ، فهي مقدمة في التاريخ الحضاري للمجتمع الإغريقي. وهي بهذا الوصف لم تُكتب غالباً، في كثير من أجزائها للباحث المتخصص في تاريخ هذا المجتمع وحضارته، وإنما تشكل هذه الدراسة ثقافة عامة مفيدة للمتخصص أو القارئ العام، وإن تعمقنا في بعض الأحداث ووقائعها وتفصيلاتها بهدف إبراز أهم مظاهر وخصائص حضارة عالمية سواء في أصولها أو حضارتها أو انتشارها وعلاقاتها مع حضارات العالم القديم، واستمرار حضارات العالم اللاحق في النهل والإفادة من أصولها فترة طويلة من الزمن.
وكانت غايتنا الرئيسية من وضع هذه الدراسة انطلاقاً من مقولة المفكر العربي الكبير محمد كامل عياد ، من أن أهم موضوع تاريخي يستحق عنايتنا بعد تاريخنا القومي هو تاريخ الإغريق وترجع أهمية الموضوع إلى كون المجتمع الإغريقي تكثر فيه الأخبار والوثائق والآثار المتعلقة به، التي تعرّفنا أحوال هذا المجتمع في كل عصوره التاريخية، وما تعرض له خلال هذه العصور من انقلابات سياسية واقتصادية واجتماعية، وتطورات هائلة في أنظمة الحكم التي مر بها هذا المجتمع ، والتي تعتبر الأولى من نوعها في التاريخ . فلذلك اهتم العلماء في دراسة هذا المجتمع وتوسعوا في دراسته، وتوصلوا إلى توضيحه أكثر من أي موضوع آخر، ووجدوا أنفسهم تجاه حضارة عريقة وراقية، فاطلعوا على مبادئ نشأتها، وتتبعوا مراحل تطورها وازدهارها السريع، ولاحظوا القيم التي أبدعتها، ثم تكشفت لهم عيوبها ونقاط الضعف فيها ومظاهر تفسخها وانهيارها.