العدد المزدوج 32-33 صيف، وخريف 2023

الترجمة فعل حضاري

وزيرة الثقافة

الدكتورة لبانة مشوِّح

القول إنَّ الترجمة فعل حضاري بامتياز بات من المسلَّمات في عالم يُقدِّر دور التواصل بين الشعوب في بناء الوعي وإغناء الفكر وتطور المعارف. والترجمة، مذ وجدت، كانت أداة للتواصل بين الشعوب، ساهمت أيّما إسهام في التعارف والتلاقي فيما بين الحضارات على اختلاف أنماطها الثقافية والفكرية، وفي التعرّف على ما أبدعت الشعوب والأمم من فنون، وما خطّت من آداب. ناهيك عن دورها في تمهيد الطريق للحاق بركب العلم وتوطين المعارف.

كانت الترجمة وستبقى بمثابة همزة وصل، وأحد أكثر أدوات التأثير والتأثُّر فعالية. إنها قناة عبور بين آداب الشعوب بما تختزله من أنماطٍ فكرية، وأساليبَ تعبيرية، ورؤىً حضارية، وخلفياتٍ ثقافية وقيمٍ ومفاهيمَ تنعكس تجاربَ إنسانيةً غنيةً مغنيةً في آن معاً إذا ما أُحسِن استيعابُها وتدبُّر معانيها واستخلاصُ المفيد منها. تلك هي الترجمة في جوهرها: أداة تواصل عابرة للحدود وقناة تثاقف حضاري.

لا يتّسع المقام لعرض مزايا الترجمة وأفضالها، وإبراز أهمية الأثر الذي تحدثُه في تطور الآداب والعلوم؛ فلولا الترجمة ما طُبِع الأدب العالمي بحكايات وأجواء ألف ليلة وليلة، ولا عَرف الغرب فلسفة ابن رشد واكتشافاته في الطب، ولا أفاد من حساب الجبر عند الخوارزمي، ولا قرأ قانون ابن سينا ولا استرشد باكتشافاته في مواجهة الأوبئة وكشف السكري والتخدير للتخفيف من الألم.

لولا الترجمة ما تطورت القصيدة العربية، ولا تبدّلت قراءتنا النقدية للنّص الأدبي، ولا انتقلنا إلى المنهج البنيوي أو التفكيكي أو السيميائي… لولا الترجمة ما تطوّرت الأساليب ولا اغتنت اللغات، ولظلّت العلوم حكراً على مكتشفيها والتقانات محصورة بمخترعيها.

المقام لا يتسع للخوض في تفاصيل فضائل الترجمة أو سرد عطاءاتها عبر التاريخ، لكنّها فضائل تنقلب إلى ضدها وعطاءات تأتي منقوصة إذا ما أخلّت العملية الترجمية بمبادئها الأساسية وأهمها الحِرَفية والأمانة. ولا مناص من التأكيد مرة تلو المرة أن الترجمة، كيما تؤدي دورها الحضاري على الوجه الأكمل، لا بدَّ من أن يتحلّى من يمارسها بحسٍّ عال من المسؤولية، فيحسنَ انتقاء مادته من جهة، ويؤدي من جهة أخرى مهمته بدقة ومهنيّة، مسلحاً بزادٍ وافرٍ من العلم والثقافة.

 

 

اضغط على الرابط أدناه لقراءة العدد كاملاً:

(العدد المزدوج 32-33 صيف، وخريف 2023). pdf