التراث اللامادي سِفر الكنوز
وزيرة الثقافة
الدكتورة لبانة مشوِّح
عند الحديث عن التراث اللامادي، يخلط كثيرون بين مفهومين أساسيين: الصون والإحياء، حتى ليكاد المفهومان يتماهيان في الأذهان، ويصبح المصطلحان مترادفين. لكنّ الحقيقة خلاف ذلك، فلكلّ دالٍّ مدلوله الخاص، وهو ما يدركه أهل الاختصاص والعاملون في حقل التراث اللاماديّ رصداً وتوثيقاً وتسجيلاً، سواء على القوائم الوطنية في بلدانهم، أم على لوائح التراث الإنساني لدى منظمة اليونسكو.
أمّا “الإحياء” فيستهدف تراثاً ميتاً، يستعيده من التاريخ الغابر، ينقّب عنه في بطون الكتب والمخطوطات وفي أساطير الأولين، ينفض عنه غبار النسيان، وينفخ فيه روحاً تعيد إليه بعضاً من حياة، إن لم يكن في الحياة والممارسة الفعلية، فعلى الأقل في الضمائر والأذهان. في حين أنّ الصون يطال عناصر من التراث الحيّ يُمارسها حاملوها وتشكِّل سمة من سمات حياتهم، فتخضع للرصد والحصر وفق معايير عامّة محدّدة ودقيقة، ويُصار إلى تسجيلها ضمن قائمة حصر وطنية تُحدَّث دورياً وفق ما يتوفّر من معطيات ومستجدّات. هي عملية معقّدة تُنجز بيد خبراء مدرّبين على الحصر والصون وبالتشارك والاعتماد الأساسي على حملة التراث أنفسهم. وكلّ ذلك يُستتبع بإجراءات تضمن التعريف بالعناصر المسجّلة، والترويج لها، ونشرها، وتوسيع دائرة حياتها، وتطويرها ضماناً لاستدامتها.
إلا أنّ اتِّساع التراث اللامادي وغناه يحتِّم على العاملين على حمايته وصونه أن يضعوا سلّم أولويات في تناول عناصره، تجنّباً للتبعثر والفوضى، وحرصاً على إيلاء العناية للأهم، والأكثر إلحاحاً، والأميز، والأعمق أثراً في الفكر والمجتمع.
إنّ التجارب العالمية في هذا الحقل كثيرة ومتنوعة، وعناصر التراث اللامادي المسجّلة على لائحة التراث العالمي أكبر دليل على تفاوت طبيعة تلك العناصر وأهميتها، واختلاف أولويات الدول واهتماماتها بشأن تراثها اللامادي.
من نافل القول أن نجاح أي مشروع رهن بسلامة الرؤية وحسن التخطيط. من هنا فإنه لا بد لنا نحن أيضاً من أن نكوِّن رؤية واضحة المعالم لمشروعنا الوطني في حماية تراثنا اللامادي وصونه. كما علينا تحديد أولوياتنا والمحاور الأساسية التي سنعمل في المرحلة القادمة عليها، وكيفية تنسيق كلّ الجهود المبذولة على الصعيد الرسمي والمجتمعي والفردي تفادياً للتبعثر والفوضى.
والله وليّ التوفيق.
اضغط على الرابط أدناه لقراءة العدد كاملاً: