حداثة تشكيلية بين الرفض والتجريد
وزيرة الثقافة
الدكتورة لبانة مشوِّح
في أثناء زيارة رسمية قمت بها مؤخراً إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية، كان من دواعي سروري البالغ أن دُعيت في اليوم الأخير إلى متحف الفنون الحديثة في العاصمة طهران، حيث أُفرِد بالكامل بناء عصريّ غريب التكوين لعرض أعمال مهمة ولا تقدر بثمن تنتمي إلى المدرسة المفاهيمية البسيطة، تمّ اقتناؤها لكبار الفنانين من أنحاء مختلفة من العالم. شُيِّد البناء الضخم على نمط معماري برؤية حديثة، له من الداخل شكل فراغيٌّ حلزوني تسنده أعمدة شاهقة ضخمة تعيد الزائر بذاكرته إلى حضارة ممالك فارس التي سادت ثم بادت، لكنها حضارة لا يزال أثرها ماثلاً بفضل جهود بعثات التنقيب وأعمال الترميم المستمرة، والتي تعيد إليها ألقها كلّما تجرّأت عليها يد الزمن.
في هذا الصرح الجميل المبهر الذي اجتمعت فيه الحداثة والأصالة بابتكار متميز، عُرِضت بأسلوب حديث وذوق رفيع لوحات تنتمي إلى التجريد الهندسي أو إلى الـ«الأوب آرت»، وكذلك أعمال تركيبية لأشهر الفنانين العالميين.
من الملفت أن تلك الأعمال توحي جميعها برفض كامل للأسس والمعايير الجمالية التي قامت عليها مدارس الفن التشكيلي السابقة، بل هي توحي بالصمت المطبق والانسحاب التام من كل مظاهر الحياة بحلوها ومرّها؛ بل تكاد تكون رفضاً للحياة نفسها، ولعلّ أحد المنحوتات التشكيلية الحجرية لتابوت حجري أبيض مسجّى وحيداً وسط قاعة عرض كبيرة أُفرِدت له أكبر تجسيد لعزلة الموت هذه.
وبالتأمّل في تلك المعروضات تتّضح الفلسفة الكامنة وراء فكر مبدعيها؛ الصمت أبلغ من الكلام… والبساطة هي جوهر الكمال. يتحقق ذاك بجملة عناصر أهمها الفراغ، والبنى البسيطة، والتكرار. ويحتل التشكيل الهندسي التجريدي البحت الذي يأخذ شكل مربع أو مستطيل أو مثلث، إلخ… يحتل الموقع الأهم في هذه المدرسة وذلك انطلاقاً من مبدأ أطلقه المعماري الألماني لودفيغ ميس فان دير روه، الذي عاش بين عامي 1886 و1969 والقائل بأن «الوفرة في القلّة».
لوحات وأعمال هي كناية عن مساحات بيضاء أو سوداء… وتشكيلات لا تقدر بثمن لرواد هذه المدرسة الحداثية من أمثال: طوني سميث، وروبيرت موريس، وصول لويت، قد لا يستسيغها الكثيرون، لكن التأمل فيها أشبه بجلسة يوغا تترك للفكر متسعاً للإبحار خارج حدود المألوف، والتفكير في قدرات العقل، والوجود والعدم.
اضغط على الرابط أدناه لقراءة العدد كاملاً: