العدد 27 – ربيع 2022

ضياع المعاني

وزيرة الثقافة

الدكتورة لبانة مشوِّح

لطالما كانت الأمانة في نقل النَّص الأجنبي إلى اللغة العربية شغلَ الباحثين الشاغل وهمَّهم الدائم، فبحثوا مطوّلاً في أشكال ضياع المعاني وأسبابه، واختلفوا في أسباب عجز المترجمين عن النقل الدقيق والإفهام الواضح لكثير من النصوص أدبيةً كانت، أم فلسفيةً، أم دينيةً، أم علميةً محضة، وبما ييسِّر للقارئ العربيّ فهمها والتأسيس عليها.

ردّ البعض ظاهرة ضياع المعاني إلى الترجمة عن لغة وسيطة، الأمر الذي يوصل المفاهيم مشوّهة فتغيب مقاصدها عن الأذهان مما يحرف الترجمة عن هدفها الأساس كأداة بناء للفكر وتمكين للمعرفة، كما كان شأن العرب في ترجمة كتب فلاسفة اليونان التي تُرجِمت قبلاً إلى العبرية، ومنها إلى السريانية، لتُنقل فيما بعد إلى العربية. ورأى البعض الآخر أنّ لكلّ لغة طبائعها وخواص معانيها، وقد تقصِّر في التعبير عن المعاني الدقيقة التي ترد في اللغة الأصل. وتذهب طائفة ثالثة إلى أن المعاني نفسها تكون أحياناً شديدة التعقيد، ويُغلق فهمها في اللغة الأصل على غير أصحاب الاختصاص. وها هو الفيلسوف المتصوِّف عليّ بن محمد بن العباس الشهير بأبي حيّان التوحيدي يطلّ علينا من القرن الرابع الهجريّ ليؤكد في مؤلّفه “الإمتاع والمؤانسة” أن كتب الفلسفة اليونانية كانت عسيرة الفهم على أهل اللغة أنفسهم: “إنّا لا نظنّ أنّ كلّ من كان في زمن الفلاسفة بلغ غاية أفاضلهم، وعرف حقيقة أقوال متقدّميهم”. وعزت فئة أخرى قصور المترجم في نقل المعاني الدقيقة إلى قصوره اللغويّ المعرفيّ وعدم إحاطته بخصائص اللغة المصدر، أو اللغة الهدف، أو كليهما معاً.

وحقيقة القول إنّ للإخلال بالمعاني أسباباً متعدّدة، وإنّ كلّ ما قيل فيها صحيح دقيق لا بدّ أن يُراعى عند التصدّي لهذه المهمة. هي “مهمة” وليست مجرّد “عمل” ننجزه طلباً لرزق، أو سعياً وراء شهرة، أو إشباعاً لطموح أو نيلاً لمتعة. وعلى الرّغم من أن كلَّ ما سبق مشروع، إلا  أنّ الترجمة ينبغي أن يُنظر إليها على أنها مسؤولية أخلاقية كونها أداةً من أدوات التمكين المعرفيّ والبناء الفكريّ، الأمر الذي يجعل لممارستها نتائج أعمق وأخطر مما يعيه الكثيرون.

 

 

اضغط على الرالط أدناه لقراءة العدد كاملاً:

(العدد 27 – ربيع 2022) pdf.