في اليوم العالمي للمرأة… المرأة السورية رمز وقِبلة عطاء
وزيرة الثقافة
الدكتورة لبانة مشوِّح
احتفلنا منذ أيام مع صندوق الأمم المتحدة للسكان بمناسبة اليوم العالمي للمرأة وعيد الأم. يومان أثيران على قلوبنا جميعاً لما يحملانه من رمزية عالية في تقدير المرأة ودورها في بناء الإنسان والمجتمع والحضارة الإنسانية، وفي إحلال قيم التسامح والمحبة والسلام.
من نافل القول إن سورية دولةٌ رائدةٌ في مسألة مساواة الجنسين في حق التعليم والعمل والمساواة التامّة في الحقوق والواجبات الوظيفية، وكانت المرأة السورية أول من حصل في عام (1949م) على حق الانتخاب في المنطقة العربية، بل كان ذلك حقاً لم ترْقَ إليه النساء في دول تعدُّ من أكثر الدول تقدماً إلّا بعد عقود. كانت سورية سبّاقة في إبراز دور المرأة واحترام قدراتها والإفادة من خبراتها، الأمر الذي جعلها تتبوّأ مكانة مرموقة استحقَّتْها بجدارة واضطلعت بمسؤولياتها باقتدار، فكانت نائباً لرئيس الجمهورية، وتقلّدت مناصب رفيعة في السلطتين التشريعية والتنفيذية، مما انعكس مشاركة فاعلة في صناعة القرار. كان تمثيلها فاعلاً لا ساكناً في الحياة السورية العامة كما في الحياة السياسية، وكان لها حضورُها البارز في المجالس المحلية والمؤسسات الاقتصادية والعسكرية والتربوية والاجتماعية، وطبعاً في الفعل الثقافي والإبداعي.
وقد خصّ الدستور السوري الجديد الصادر عام (2012م) المرأة بمادتين: المادة 23 والمادة 33. وتنصّ المادة 23 على الآتي: «توفر الدولة للمرأة جميع الفرص التي تتيح لها المساهمة الفعالة والكاملة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتعمل على إزالة القيود التي تمنع تطورها ومشاركتها في بناء المجتمع». وقد ساوت المادة 33 بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات، دون تمييز في ذلك بين الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة.
ويبقى طموحنا – نساءً ومواطنات – أكبر، ويحق لنا أن نطمح بمكتسبات أكبر، لا بل هو واجبنا تجاه الوطن كلّه، وتجاه الأسرة، والمرأة عمادها الأساس. طموحنا أن تنال المرأة على أرض الواقع وفي الممارسات الحياتية اليومية ما تستحقه من حقوق، وأن تؤدي ما عليها من واجبات مقدَّسة في الحفاظ على أسرتها وتماسكها القيمي والأخلاقي، والإسهام في تنشئة أجيال تؤمن بقدسية الوطن، والحفاظ عليه، ودرء المخاطر عنه. وهذا ما يعوَّل على بنائه في العملَين التربوي والثقافي.
لا يسعني في هذه المناسبة إلا أن أحيّي المرأة السورية التي كابدت طوال سنوات الحرب الظالمة على وطنها، ولم تزل، صنوف التعب والألم نتيجة الإرهاب والحصار. لقد استهدف الإرهاب الأسود ثمرة عمرها وعِلّة وجودها، إذ انتهك حُرُماتِها، فقتل أبناءها، وسبى بناتِها، وشتَّت أسرتَها… وأراد تدمير وطنِها الذي أسهمت أيّما إسهام في بنائه وإعلاء شأنه.
المرأة السورية… وما أدراك مَنْ هي؟
هي ياسمينة الشرق يفوحُ عطرها أينما حلّت. هي الشامخة الراسخة لا تهتز تحتَها أرضٌ ولا يكسِرُها حزن. وإذا ما أقفرت الدنيا وضاقت، تكفكف دمعها مخافة أن يحجِبَ حزنُها نورَ الحياة. هي مَنْ تشمخُ بصبرها هاماتُ الرجال. وقفتْ يوماً على مسرح دار الأسد للثقافة والفنون بمناسبة تكريم الدولة لأمهات الشهداء، وقفتْ، وقد ارتقى من فلذات كبدِها أربعةُ شهداء، فصرخت بعزيمة جبّارة وقلب صادق:
«يا ليتني أعود شابة يافعة، لأُنجِب أربعةً آخرين وأقدِّمَهم قرباناً للوطن».
تلك هي المرأة السورية: هزّت بأناملها الرقيقة مهد الأباطرة، وبعزيمتها عروش الجبابرة، وبصبرها ستفشل كل المؤامرات.
حُييتِ أيَّتها الأم الثكلى… يا مَنْ ننحني لعظمتكِ التي تليق بعظمة الوطن. حُييتِ أيَّتها المرأة السورية القدوة، أيَّتها العاملة المكافحة، أيَّتها المربية المتفانية والمهندسة والطبيبة والرائدة في مجال الأعمال، والباحثة والعالمة الفذَّة. أيَّتها القاضية العَدْل… أيَّتها المناضلة أينما كنتِ وعلى أيِّ جبهة وقفتِ بثبات لتحمي وطنكِ وتعيدي بناء مستقبله…. منكِ الحياة، وبكِ يرتقي الإنسان وتسلمُ الأوطان، وتبلغ شأواً عظيماً.
واليوم واجبنا جميعاً رجالاً ونساءً أن نعمل وبأقصى طاقتنا لبناء حياة كريمة لنا وللأجيال من بعدنا، وأن نضمن سلامة الأسرة التي تؤلِّف بلحمتها وقيمها الأخلاقية أساساً لسلامة الوطن ورفعته.
إلى المرأة السورية خاصةً، وإلى كل النساء المناضلات في العالم…. كل عام وأنتنَّ شريكات الرجل في بناء الإنسان وإعمار الأوطان.