«أبو زكريا الفراء وآفاق البحث اللغوي» دراسة تستجلي آفاق البحث اللغوي عند عَلَم كبير من أعلام الدراسات اللغوية في تراثنا العربي المشرق هو يحيى بن زياد بن عبد الله… المشهور بلقب (الفرَّاء)، وذلك من خلال سبر المنهج الذي سلكه هذا الرجل في تأليف أهم كتاب عنده ألا وهو كتاب (معاني القرآن).
واختيار تلك الدراسة إنما هو اختيار دقيق ومقصود يكتسب أهميته بين الدراسات اللغوية لثلاثة أمور هي التالية:
أولاً: لأن الفرَّاء – وإن لم يكن رأس المدرسة الكوفية – يُعَدّ الإمام الحقيقي لتلك المدرسة، لما بذله من جهود عظيمة في محاولات جادة لإرساء قواعد المذهب الكوفي، وتوطيد مصطلحاته، ليكون متميزاً عن المذهب البصري، ومستقلاً متفرداً ذا هوية خاصة به.
ثانياً: لأن كتاب (( معاني القرآن )) من أهم كتب الفَرَّاء، بل من أهم الكتب المؤلفة في موضوعـه، وذلك لأنه يحتـوي معظم المذهب الكوفي، ويكشف عن مذاهب القُرَّاء الكوفيين في الاحتجاج في الحقبة التي سبقت عصر أبي بكر بن مجاهد المتوفى سنة (324 هـ) الذي يُعَدُّ أول من حَدَّد القراءات السبعة المتواترة، إلى جانب ما يكشف عنه من خصائص نحاتهم، والسمات العامة لمنهجهم..
ثالثاً: لأن دراسة منهج المؤلفين في مؤلفاتهم أهم جانب في الأعمال التراثية يمكن أن يتناوله الدارسون، ويقولوا فيه كلمتهم، لأن المنهج يتخطى حدود الزمان والمكان، والبحث فيه يكشف عن التوجه الفكري الذي يقف وراء العمل، ويبين الطرق التي كان يلجأ إليها المؤلف في حشد المعلومات وتقليب الآراء، ومن ثَمَّ يجلو مذهبه من خلال أثره المدروس.